الولاء والانتماء والهوية الوطنية··· مصطلحات اندثرت على المستويين المعنوي والواقعي في كثير من أوطاننا العربية، بعد أن حلت محلها شعارات ''أنا'' ثم الطوفان، و''انهب واهرب''، و''دمر وأرهب''، والسعي وراء المصلحة الشخصية والمكسب المادي، والموت في سبيل الكرسي والمنصب، وعبادة المال والسلطان، والتحالف مع شيطان التطرف والعنف، والتخلي عن كل قيم الوطنية، وباتت الأمة تبحث عن شعوبها التي تعددت ولاءاتها وانتماءاتها لجهات أخرى عادة ما تكون مصدر تهديد لأمن واستقرار الأوطان، في الوقت الذي نرى بقية دول العالم لا تتحدث عن ولاء أو انتماء أو هوية وطنية، حتى الدول حديثة النشأة، وربما اندثرت هذه المصطلحات عندهم لعدم الحاجة إلى التذكير بها في ظل الوجود الحقيقي للانتماء والولاء·
معظم الدول العربية إن لم تكن جميعها تبحث وتتحدث عن ولاء وانتماء شعوبها، حيث نجد في بعض الدول العربية الطائفية والعرقية والعصبيات القبلية قد تغلبت على الشعور الوطني بالولاء والانتماء، بينما في بعضها الآخر ساد الشعور بالغربة نتيجة لانتشار الفساد والرشوة والمحسوبية والاهتمام بالمنصب على حساب المسؤولية والواجب، وهناك عدد محدود من الدول العربية التي تبذل كل ما في وسعها لصالح شعوبها والمقيمين فيها ولا تجد هذه مبرراً واحداً يحرمها من ولاءات مواطنيها وسكانها إلا اتصافهم بالجحود والنكران، لذلك يجب أن ندل الجميع على مكان الولاء وطريق الا نتماء فربما يصلون إليه·
الجميع يتحدث عن مصطلحي الولاء والانتماء ولكن أحداً لم يتوقف عند جوهر مفهوم كل منهما، لذا يمكن أن نسهم بجهد في صياغة مفهوم لهذين المصطلحين·
حيث يمكن تعريف الانتماء بأنه شعور وطني أخلاقي جارف ينبع من داخل النفس البشرية لحثها على الارتباط بمجتمعها ووطنها، وتستشعر ما يواجه الوطن من تحديات وما يحيط به من تهديدات، ومن ثم تدفعها للعمل بكل ما في وسعها للحفاظ على أمنه ورفعته وتقدمه انطلاقاً من موقعها أياً كان·
أما الولاء فهو قيمة وطنية تولد مع الإنسان يوم ميلاده وتنمو وتكبر معه لتجعله متعلقاً معنوياً ومادياً بأسرته ومجتمعه ووطنه، بالإضافة إلى إخلاصه لأسرته وقيادة وطنه، ويضحي بالغالي والنفيس في سبيل مصالح وطنه وبناء مجتمعه والتمسك بقيادته·
فإذا كان ولاء الشخص للمال··· فالمال زائل، وإذا كان الولاء للسلطة والجاه··· فالسلطة زائلة، أما إذا كان الولاء للوطن··· فالوطن باق لا يزول، يتحملنا صغاراً ويساندنا كباراً ويحفظنا في كهولتنا·
والانتماء والولاء صفات بنيوية في النفس البشرية ولكن هناك عوامل تحد منها وتشكك فيها من أهمها:
* الظلم الاجتماعي والتفرقة بين فئات المجتمع وتركيبته العرقية والدينية·
* الخلل في تحقيق تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع نتيجة لانتشار المحسوبية والوساطة، والفساد الإداري·
* مصادرة الحريات وتكميم الأفواه·
* عدم توافر الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة·
* انتشار الفقر والفاقة بين طوائف الشعب·
* ضياع الآمال وقتل الطموح لدى الشباب·
* تدني الخدمات التي تقدمها الدولة بأشكالها وأنواعها كلها·
كل ما سبق يثير تساؤلاً مهماً حول العلاقة التبادلية بين: الولاء والمواطنة، والانتماء والهوية الوطنية، والولاء والحقوق، والانتماء والواجب، لسبب بسيط هو الارتباط الكامل والوثيق بين أطراف هذه العلاقة التبادلية التي يمثل الفرد أحد أطرافها، والدولة الطرف الآخر·
وهذا يقودنا إلى أمر بالغ الأهمية ماذا تفعل الدولة بشأن الولاء والانتماء إذا كانت تقدم كل ما في وسعها لصالح رفاهية وسعادة مواطنها، فهي ترعاه منذ مولده حتى كهولته، من توفير للتعليم المجاني والحياة المعيشية الكريمة وتوفير العمل والمسكن اللائق والمساعدة في تكوين الأسرة، وتيسير أمور الحياة كلها، بل والبحث المستمر لتحقيق الرضا الكامل للمواطن··· فهل يكون الولاء والانتماء هنا موضع تساؤل؟
الإجابة الفورية هي بالطبع ''لا''، ولكن إذا طرح السؤال تكون هناك أسباب جوهرية لطرحه أقلها جحود المواطن، ولكن ربما تكون زيادة الرفاهية وعمق رعاية الوطن قد أفسدته، ودفعته إلى البحث عن مزيد من الرفاهية دون أن يلقي بالاً لرد الجميل والقيام بواجبه الوطني وفق ولائه وانتمائه· أو ربما يرى بعضهم أنه في عصر ثورتي المعلومات والاتصالات، والانفتاح الإعلامي، والإنترنت، والتعولم، وتلاشي الحدود الجغرافية، قد بات الولاء والانتماء موضة ''قديمة''، ونسوا أو تناسوا أن من لا وطن له ولا ولاء له، قد فقد ذاته وهويته وأصبح مسخاً لن يقبل به أحد أو يثق به أحد لجحوده ونكرانه الفضل·
ويمكن رصد ظواهر عدة تنتشر بصفة خاصة في دول الخليج العربية تشير إلى عمق الجحود ونكران فضل الوطن والقائمين عليه، من أهم هذه الظواهر التصرفات التي يقدم عليها بعض المواطنين في دول الخليج:
* عدم الاعتراف بفضل الدولة في توفير مستوى مناسب من الرفاهية، ويبرز ذلك في الزواج من الأجنبيات دون النظر إلى مدى تأثير ذلك على الأمن الاجتماعي والوطني·
* البحث الدائم